لإنسان لا يعوّض وما عداه يمكن تعويضه أوحتى احتمال فقده.. هذه هى القاعدة الأساسية، لكن أحيانا يصبح رصد الخسائر المادية والتاريخية للصراعات السياسية، التى قد لا تعوض، شاهدا على الجانب الآخر التدميرى للعنف والعنف المضاد.
بعد نحو أسبوعين من فض اعتصامى رابعة والنهضة الاحتجاجات التى خرج فيها أنصار الرئيس المعزول محمد مرسى ومتعاطفون معهم عقب الفض، ظلت جهات عدة فى الدولة تعانى من آثار فض الاعتصامين وما ترتب على عملية الفض من أعمال نهب وسرقة طالت منشآت أثرية، وبعيدا عن الخسائر المادية التى لم يصدر بها حصر كلى حتى لحظة إعداد هذه السطور للطباعة، تبقى الخسارة العلمية والثقافية المتمثلة فى سرقة الآثار واحتراقها وفقد مراكز الأبحاث العلمية فى كلية الهندسة بجامعة القاهرة والمركز العلمى لحديقة الأورمان شاهدا على أن العلم والتاريخ لايزالان ضحية لخيارات سياسية لا تهتم بدراسة التبعات والآثار الناجمة عن استخدام العنف فى الاحتجاج أو فى مواجهة الاحتجاج، فى هذا الملف تنقل «المصرى اليوم» صورة خسائر لن تنجح المساعدات المالية فى تعويضها.
حريق هائل يدمر الدور الثالث لكلية الهندسة بجامعة القاهرة مبنى كلية الهندسة.. ولا يزال الحريق مشتعلا
منذ أكثر من أسبوع وأحمد عبدالفتاح وزملاؤه يقومون بتنظيف المبنى من الرماد والأوراق المحترقة، وكلما أزالوا كومة من الرماد تجدد اشتعال النيران فى الكومة نفسها مرة أخرى، يحاول العاملون إخمادها بالماء، ولا تمر ساعات قليلة قبل أن تعاود كومة أخرى الاشتعال وهكذا. «كل يوم من الصبح نشيل الرماد نلاقى اللى تحته ولع واتحرق وتزيد النار ونحط مية عليه وكام ساعة وتولع تانى، الرماد بيولع كل يوم لحد أما خلص على كل حاجة فى المبنى»، يقول أحمد عبدالفتاح بنفاد صبر واضح، ثم يضيف: «الكتب والمستندات وأوراق وأجهزة تكييف وحاسب آلى والأرضيات وكل حاجة فى المبنى اتحرقت على مدار أسبوع كامل».
الرماد يكسو أرضية الطابق الثالث، رائحة الحريق تقتحم الصدر بإصرار ولا يتبقى من الدور الثالث للمبنى الإدارى الخاص لكلية الهندسة بجامعة القاهرة الذى أشعلت فيه النيران بالتزامن مع احتجاجات أنصار الرئيس المعزول محمد مرسى سوى الأعمدة التى يستند إليها السقف العالى، ولا تزال ألسنة النيران تخرج منه يوميا، مما جعل النيران تصل إلى القشرة الخارجية، إلا أن قوات الدفاع المدنى حاولت إنقاذ هذه القشرة الأثرية التى ما زالت محتفظة بلافته مكتوب عليها «كلية الهندسة جامعة القاهرة تم تأسيسها عام 1905» بحيث تكون شاهدة على تاريخ هذا المبنى.المزيد
أنصار مرسي يضرمون النيران بمبنى محافظة الجيزةمحافظة الجيزة.. فيلا القرن الـ19 التى أحرقها الإخوان
أمام فيلا محافظة الجيزة التى أحرقها أنصار الرئيس المعزول ورفعوا صوره على مبناها التاريخى، كانت تقف عدة عربات حاملة لأخشاب جديدة يتمنى مستقدموها أن تنجح فى إبقاء الفيلا واقفة على الأرض لحين ترميمها بعدما طالتها الحرائق التى اندلعت فى أنحاء متفرقة من البلاد فى السادس عشر من أغسطس الجارى خلال تظاهرات «تحالف دعم الشرعية» المؤيد للرئيس المعزول محمد مرسى.
حول الفيلا التى شكلت مبنى محافظة الجيزة وقف بضع عشرات من العمال فى مشهد مغاير تماما لما كانت عليه هذه الفيلا من أسبوع واحد كمقصد لعشرات المواطنين الراغبين فى إنهاء مصالحهم فى مبنى المحافظة مترامية الأطراف.
«فين الخوذة إزاى تدخلوا المكان من غير خوذة؟ انتو فى خطر ومعرضين لأى حاجة تقع عليكم» بصوت منزعج، استقبلنا هذا التحذير بينما نخطو إلى داخل بقايا مبنى المحافظة الذى يعود تاريخ إنشائه إلى السنوات الأخيرة من القرن التاسع عشر، ولم يتبق منه بعد الحريق المتهم بإضرامه أنصار الرئيس المعزول محمد مرسى، سوى بضع أوراق متناثرة وهيكل خارجى متداع يوشك على الانهيار.
«كانت بداخلها لوحات قديمة وسجاجيد معلقة فى مكاتب الوزير، وأيضا السلم داخل الفيلا هو سلم أثرى» هذا ما قاله محمد سعد أحد أفراد الأمن الذى يقوم بحماية المكان منذ أكثر من عامين، وتابع وعلى وجهه علامات التأثر: «معرفناش نحمى المبنى لأن التأمين داخل المبنى قليل جدا، مما مكّن عدداً من مؤيدى الرئيس المعزول من اقتحامه وحرقه».المزيد
عمليات تجريف فى حديقة الأورمان التاريخية حديقة الأورمان: ضحية الاعتصام.. و«الفض»
رغم انتهاء مواعيد العمل الرسمية التى جرى تقديمها بعد فرض حظر التجوال، ظلت البوابة الرئيسة لحديقة الأورمان المطلة على ميدان نهضة مصر مشرعة أمام القادمين، لا بفعل إدارة الحديقة ولا بسبب جمهور مفقود، بل لأن مدرلة لم تجد سبيلا لفض اعتصام التيارات الإسلامية التى نصبت خيامها داخل الحديقة، سوى اقتحام البوابة الأثرية التى يعود تاريخها إلى 1875 – العام الذى أنشئت فيه الحديقة، حسب شهود عيان.
على الأرض المواجهة لمبنى الإدارة جلس عدد من العمال التابعين لقطاع الصيانة بوزارة الزراعة «التابعة لها الحديقة» يجمعون الأجزاء المتناثرة للبوابة المحطمة، وبينما يحاولون إعادة الحياة للبوابة المفتتة ظل العمال يتغزلون فى جمال «الفن» الذى صيغت به البوابة.
لم تكن البوابة الحديدية الأثرية وحدها ما تعرض لأضرار واضحة جراء فض اعتصام جماعة الإخوان المسلمين والموالين لها داخل حديقة الأورمان التاريخية، ضمن اعتصام «النهضة» الذى قامت القوات المسلحة بالتعاون مع قوات الشرطة صباح الأربعاء 14 من أغسطس الجارى، فقد قدرت وزارة الزراعة، فى بيان لها، خسائر حديقة النباتات النادرة بمائة مليون من الجنيهات كتقدير مبدئى.